أ - المقارنة من حيث طبيعة التبرع وطبيعة الشراء:
قد تكون هناك اختلافات جوهرية بين طبيعة التبرع وطبيعة الشراء، إلا أن ذلك لا ينفي أن التشابه بينهما كبير إلى درجة كبيرة جداً، خاصة من جهة الطبيعة والبرامج التسويقية من جهة القائمين على التسويق لهذه البرامج.
فمثلاً طبيعة التبرع تقوم في الغالب على السخاء والكرم والفضل والتجرد والاستغناء، بينما طبيعة الشراء تقوم على عكس ذلك تماماً فهي للحاجة والمماحكة و المطالبة أقرب.
والمؤثرات الفردية والنفسية للمتبرع أو المستهلك تجتمع في كون كل منها دفع مقابل منفعة، لكن لكون المنفعة أقرب ما تكون للمنفعة الأخروية والروحية في التبرع؛ لذا نجد أن نفسية المتبرع وشخصيته تميل للتركيز على هذه المنافع، ويكون مستعداً للتنازل عن كثير من المنافع في سبيل منفعته الروحية أو الأخروية.
وباجتماع السخاء والكرم والفضل مع منافع الآخرة يميل المتبرع بخلاف المشتري إلى السماحة والتغاضي و غير ذلك ، فقد يغض النظر عن مستوى الخدمة له أو حتى جودة المنتج الذي تبرع له أو السعر أو غير ذلك، عندما يرى أنه سيحصل على المنافع الأخروية أو منافع الروح التي يريدها، وقد يقاطع المنظمة ولا يستمر معها، ولو كانت منتجاتها جيدة وأسعارها مناسبة وخدماتها له جيدة عندما لا يشعر بأنها تحقق له منافع الآخرة وإشراقات الروح التي يريدها.
ب - المقارنة من حيث الدوافع وآلية اتخاذ القرار:
إن دراسة أسباب التبرع ودوافعه تعطي فهم أعمق للمتبرع وتوجهاته وطريقته في التعامل، وتختلف الأسباب الدافعة للتبرع والمحركة له من متبرع لآخر، وإن كان هناك أسباب مشتركة بين المتبرعين في المجتمع الواحد، بل وفي العالم أجمع.
ففي دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية على مسلمين وغير مسلمين، وجد أن دافع التبرع كان محصوراً في الأسباب التالية:
1- الدافع الديني:
- الأجر والثواب من الله عز وجل.
- التطهر من الخطايا.
- الخوف من الله عز وجل.
- تزكية النفس ليبارك الله للمتبرع في أمواله.
2- الدافع النفسي:
- حب التقدير مقابل التبرع.
- حب تخليد ذكراه بعد موته.
- الخوف من المرض والحسد أو رجاء الشفاء من المرض.
- الشعور بالذنب وتأنيب الضمير لعدم قدرتهم على مساعدة المحتاجين.
- الدافع الاجتماعي:
- ضغوط الأهل والأقارب والأصدقاء.
- ضغوط المجتمع.
- مواقف الإحراج المختلفة.
3- الدافع المادي:
وهو في الدول الغربية واضح حيث يعفى المتبرع من بعض الضرائب المستحقة عليه.
هذا وأن الدوافع ليست بدرجة واحدة من حيث التأثير، فالتبرعات الدينية تشكل أكبر نسبة للتبرعات في العالم أجمع، فـ 50% من تبرعات الأفراد تذهب لمؤسسات دينية، ولذا بلغت نسبة الجمعيات الخيرية الإسلامية في العالم العربي ما يقرب 34 %، وفي مصر بلغت نسبةالجمعيات الخيرية الإسلامية في بعض المحافظات إلى 51% والمسيحية 9% ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 47% من المنظمات التي قامت على أساس ديني ، ويتم إنفاق 45.6% من التبرعات على الشؤون الدينية.
بخلاف ما هو الحال في السلع أو الخدمات الاستهلاكية التي دوافعها تختلف باختلاف السلعة، وإن كان يجمعها محاولة إشباع رغبات واحتياجات للشخص، وهي إلى الأمور المادية أقرب منها إلى الأمور الروحية الأخروية في الغالب أو الأمور النفسية الاجتماعية.
واختلاف الدوافع يجعل أي منظمة خيرية تعيد صياغة رسالتها التسويقية بما يتناسب مع الدوافع الرئيسية للمتبرعين ،ويشبع احتياجاتهم حسب أنواعهم وفئاتهم المختلفة من أجل رفع كفاءتها التسويقية، وتحسين آليات التفاعل بينها وبين المتبرعين بمختلف فئاتهم وميولهم.
ج - المقارنة من حيث آلية اتخاذ القرار:
طبيعي أن تختلف بشكل أو بآخر آلية اتخاذ القرار لاختلاف طبيعة التبرع عن طبيعة الشراء واختلاف الدوافع ، ولتوضيح ذلك نذكر أن قرار الشراء يمر بمراحل مختلفة ، وتختلف عن قرار التبرع في المراحل نفسها:
1- إدراك المشكلة (الحاجة): فلابد حتى يتم الشراء من أن يدرك المشتري حاجته للسلعة أو الخدمة حتى يقوم بشرائها، ولا يتم ذلك إلا بمثير داخلي كجوع أو عطش أو خارجي كإعلان أو مشاهدة، مما يعني بالنسبة لإدارة التسويق أن تفكر كيف تضع له المحفز سواءً الداخلي أو الخارجي لتحريك إحساسه بالحاجة للشراء.
أما بالنسبة للتبرع الخيري فهو وإن كان يحتاج قرار التبرع إلى إدراك للمشكلة، وإلى مثير يثير عملية إدراك الحاجة أو الرغبة ، إلا أن طبيعة هذه الحاجة مختلفة، وكون الجزء المادي منها لا يتعلق بالمتبرع ، وإنما بالمستفيد مما يعزز ما ذكرنا سابقاً من أهمية التركيز على الجوانب الأخروية والروحية والنفسية عند تقديم المشروع للمتبرع من أجل أن يدرك الحاجة لأن يتبرع، ولا شك أن العملية أصعب حيث أننا نتحدث هنا عن قضايا مجردة غير محسوسه يصعب إدراكها عند بعض الناس مما يعقد عملية التسويق ويجعلها أصعب.
2- البحث عن المعلومات: فبعد إثارة المستهلك يبحث عن المعلومات التي يحتاجها من أجل أن يصل إلى الإشباع المطلوب لهذه الحاجة، ويجمع الناس المعلومات من مصادر شخصية أو تجارية أو عامة أو حتى من خبرته الشخصية.
وهذه قضية مشتركة بين المستهلك والمتبرع، وإن كانت تختلف طبيعة المعلومات التي يجمعها كل واحد منهم نظراً لاختلاف طبيعة حاجاتهم.
3- تقييم البدائل: فبعد جمع المعلومات يقيم المستهلك البدائل المتاحة من أجل اتخاذ القرار، والواقع أنه ليس هناك طريقة واحدة يستخدمها المستهلك في تقييم البدائل.
أما بالنسبة للمتبرع فأوزان خصائص المستهلك تتفاوت تفاوتاً كبيراً، فالمنتج الخيري لا يتقبله المتبرع وإنما المستفيد، والمنتج الخيري يختلط بالقضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية بشكل أكبر مما يجعل إعطاء أوزان لخصائصه عملية أعقد تهيمن عليها الثقافة والدين والسياسة، وبالتالي تكون نظرة المتبرع للمنظمة ومنتجاتها بطريقة تحتاج لدراسة أعمق.
4- قرار الشراء: فبعد تقييم البدائل من جانب المستهلك فإنه من الطبيعي أن يقوم بشراء المنتج الأكثر تفضيلاً، إلا أن هناك عاملين يمكن أن يتدخلا ما بين النية للشراء وقرار الشراء هما: اتجاهات الآخرين والعوامل الموقفية غير المتوقعة، فاتجاهات الآخرين وآرائهم وتقييماتهم تؤثر في قرار الشراء لأن تقييم الناس يؤثر في إشباع المستهلك لحاجاته النفسية، وهذا في المنتجات التي يشتريها المستهلك ويستفيد منها، ولذا فالمتبرع الذي لا يستفيد مباشرة من المنتج أكثر تأثراً بآراء الآخرين، وإن كان يقل هذا التأثر كلما كان المتبرع أكثر إخلاصاً وقناعة بالأفكار التي يتبرع من أجلها.
5- سلوك ما بعد الشراء: يحقق المنتج للمستهلك مستوى من الرضا والإشباع أو عدم الرضا والإشباع، وبالتالي يقبل أو لا يقبل على الشراء مرة أخرى، وبالتالي ربما كان الأفضل الإعلان للمنتج، وبالمثل بل أشد للمتبرع حيث من الممكن أن يكون الأفضل لديه الإعلان للمنتج الخيري الذي تبرع من أجله.
د - المقارنة من حيث التأثيرات الخارجية عليه :
السلوك الشرائي وسلوك التبرع يتأثران بالتأثيرات الخارجية التي تتشكل من عوامل البيئة المختلفة، ولكن ربما هناك بعض الفوارق بينهما في التأثر ومن هذه الاختلافات.
إن أي تأثر أو تأثير في العمل الخيري يمر بعدة دوائر تؤثر في بعضها البعض ، وهي:
وقد يبدو أن المستويات الداخلية هي عين المنظمة وشقها الأساس، وهذا وإن كان صحيحاً لكنها وللأسف قد تنسى أحياناً وتطغى أخرى، ويبدو أن التأثر المتبادل فيما بينها والعلاقة المشتركة بينها هو الذي يفرض التغييرات والتأثرات المختلفة.
مما يعني أن التغيير في المجتمع يصاحبه ولا شك تغير في الحركة الاجتماعية، وبالتالي في المنظمة بتنظيمه وجميع أفرادها، والعكس صحيح خاصة إذا كانت المنظمة قوية فاعلة، فتغيير الأفراد يستوجب تغيير تنظيم المنظمة، وبالتالي تغيير جزء من الحركة الاجتماعية فالمجتمع.
ويبدو أنه على صحة التسلسل في الاتجاهين - من الداخل إلى الخارج والعكس - إلا أن الاتجاه الأول أكثر تأثيراً في غالبية المنظمات، والثاني أقرب إلى المنظمات الفاعلة القوية، مما يعني أن تأثر المنظمات الخيرية بالمجتمع عال إلى درجة كبيرة جداً.
وبإمكاننا المقارنة بين التأثيرات الخارجية على السلوك الشرائي وسلوك التبرع، فيمكننا القول إن السلوك الشرائي أكثر تأثراً بقضايا الموضه والقضايا الشكلية والدعائية، بينما سلوك التبرع أكثر تأثراً بالقضايا الثقافية والدينية والتعليمية والسياسية.
وكذلك أن سلوك الشراء أكثر إرتباطاً بالحاجات والدوافع الذاتية، بينما سلوك التبرع أكثر إرتباطاً بالحاجات والدوافع لأناس آخرين مما يعني استجابة أكبر للطوارئ والكوارث والأزمات.
وأيضاً أن سلوك التبرع أكثر إرتباطاً مع العاطفة وإشراقات الروح، بينما سلوك الشراء أكثر إرتباطاً مع الحاجات الشخصية والمادية، مما يعني قوة تأثر البيئة الخارجية على فئات خاصة من أفراد مجتمع المنظمات وهم الناس الذين ارتباطهم كبير بالعاطفة سواءً كانت دينية - وهو الأكثر - أو عاطفة إنسانية محضه أو الناس ذوو إشراقات الروح، وتجلياتها من أهل الدين أو الأدب والخلق.