ذكري لهذا الموضوع ضمن المهارات المهمة لأني أعتقد أن الموضوع بالإضافة لكونه موضوعاً شرعياً يعتمد على مقدار الإيمان بالله هو أيضاً موضوع مهاري يحتاج أن يتدرب عليه الإنسان ويروض نفسه عليه، فما هي هذه المهارة...؟
- مفهوم الاعتماد على الله والاستعانة به:
لابد للإنسان أن يعتمد عند عمله لشيء وقيامه به على شيء، كما أن من يريد أن يقوم واقفاً لا بد أن يعتمد على الأرض وعلى رجله ليستطيع القيام، والناس في اعتمادهم واستعانتهم على أضرب نبدأ بأسوئها ثم نصعد بعد ذلك:
1- من يعتمد على الآخرين في قيام مشروعه: فهو اتكالي ضعيف ينتظر من الآخرين أن يقيموا له مشروعه فإن لم يفعلوا بدأ في الصياح والنياح وسب الزمان والظروف.
2- من يعتمد على نفسه وقدراته: وهو أقوى من سابقه وأصلب عوداً وغالباً ما يكون أكثر نضجاً وللأسف أكثر حدة وأكثر انفراداً.
3- من يعتمد على نفسه ويعتمد على الناس في تحقيق أهدافه، فهو بالإضافة لكونه معتمدًا على نفسه يستفيد من الآخرين ويسخرهم لتحقيق الأهداف السامية التي يريدها، وهو أكمل في النضج من سابقه وبلغ من الفاعلية أعلاها.
4- من يعتمد على الله ويستعين به: فهو لديه القدرة أن يسخر نفسه ومن حوله في تحقيق أهدافه لكنه مع ذلك يعرف أنه هو ومن حوله أسباب وأن مسبب الأسباب هو وحده الذي إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون، وهذا بلغ من الفاعلية أعلاها ثم حلق في سماء العظمة والإيمان، حلق فيما وراء الأسباب إلى مسببها وفيما وراء الأفعال إلى مقدرها.
- ومن بعض ما ورد في الاعتماد على الله والاستعانة به:
- }وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ ءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ{ (يونس: 84).
- فإذا قال العبد -إياك نعبد وإياك نستعين- قال الله: "هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" ( رواه مسلم).
- "يا معاذ، والله إني لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، (صححه الألباني).
- "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز" (صحيح سنن ابن ماجة).
روى الترمذي وقال حسن صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال
كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسألِ الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف".
- كيف تكون مستعيناً بالله ومعتمداً عليه:
الاستعانة بالله تحمل معنيين أصيلين:
1- الثقة بالله.
2- والاعتماد عليه.
قال ابن القيم: "فإنَّ العبد قد يثق بالواحد من الناس، ولا يعتمد عليه في أموره، مع ثقته به؛ لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به؛ لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به"
فلكي يحقق الإنسان ويدرب نفسه على الاستعانة بالله لابد من:
1- الثقة بالله وبكرمه وفضله وجوده وكرمه، والثقة في قدرته وكبريائه وقدرته وأنه مقدر الأقدار، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ( ما يفتح الله من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده )، ومن فقد الثقة بالله فقد السعادة والطمأنينة وسيطر عليه ذل الحاجة للناس.
2- الاعتماد على الله في جميع شؤون الحياة والشعور بالحاجة والفقر له، وأن الأمر منوط بتوفيق الله أو الخذلان، والشعور بالضعف والحاجة والفقر }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{(فاطر: 15)، ومن فقد ذلك النجاح وفقد التوفيق فالمخذول من اعتمد على نفسه أو على غيره من الناس، ولذا من لم يعتمد على الله وكله الله لنفسه، فيظهر ضعفها ونقصها وفقرها حتى ولو أخفاه فيشقى ويتعب ولا يأت له إلا ما كتب له.