من الخطوات الأولى في وضع خطة: أن يكون لدينا معرفة وتصور للبيئة التسويقية التي ستوضع لها الخطة، والبيئة التسويقية:هي مجموعة من العوامل أو القُوَى التي تؤثر بطريقة ما (مباشرة أو غير مباشرة) على مدى قدرة المشروع في الحصول على المخرجات، ومعرفتها تساعد على اختيار المزيج التسويقي المناسب، كما تساعد على التعامل المناسب مع جميع الأحداث، واتخاذ القرار المناسب فيها، ومن لم يعرف بيئته أتى في تسويقه لنفسه بالعجائب! بل ربما كانت النتائج عكس ما يريده، وما يصبوا إليه، والبيئة التسويقية التي نتحدث عنها شقين:
وهي البيئة الملاصقة لمن يُسَوِّق لنفسه، مثل: أهله، وأولاده، وأصدقائه، والعاملين معه، وطلابه، والمنافسين له، والحي أو المدينة التي يسكن فيها، وما شابه ذلك، وهذا الشق من البيئة يمكن -إذا يسر الله- التأثير فيه بشكل مباشر، فيستطيع من يُسَوِّق لنفسه أن يغير، أو يطور، أو يعدل من بعض صفات أو أعمال أهله، أو طلابه، وإن كان هذا يحتاج إلى جهد كبير؛ ولذا يجب أن يبذل الإنسان وسعه في التعرف على البيئة التي حوله، وفي التأثير فيها؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن أصحابه، بل ربما سأل عنهم بأسمائهم، وكان صلى الله عليه وسلم يعرف قدرات من حوله، فكان يقول: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي: أَبُو بَكْر،ٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ:عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً: عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ: أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)).
فكان صلى الله عليه وسلم يعرف قدرات أصحابه وإمكانياتهم، بل كان يعرف قدرات وإمكانيات وصفات حتى أعدائه، ففي صلح الحديبية لما جاء رجل من بني كنانة قال صلى الله عليه وسلم: ((هذا فلان، وهو من قومٍ يُعظِّمون البدن فابعثوها له))؛ فبُعثت له، واستقبله الناس يلبُّون، فلما رأى ذلك، قال: ((سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيت))، فلما رجع إلى أصحابه، قال:((رأيت البُدْنَ قد قُلِّدَتْ، وأُشْعِرَتْ؛ فما أرى أن يُصَدُّوا عن البيت)).
ولما أرسلت قريشًا رجلًا آخر؛ يُقال له: مكرز بن حفص، قال صلى الله عليه وسلم: ((هذا مِكْرز وهو رجل فاجرٌ)).
ولما جاء سهيل بن عمرو؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد سُهِّلَ لكم من أمركم))، فكان صلى الله عليه وسلم يعرف الأفراد، والقبائل، والأصحاب، والأعداء؛ ولذلك أساليب كثيرة من أهمها:
أن يصبح الشخص جزءًا من البيئة، ليس مفصولًا عنها في برج عاجيٍّ، لا يُحسُّ بآلامها وأفراحها، ولذا جاء الشرع بوجوب إجابة الدعوة، واستحباب تعزية أهل الميت، وما شابه ذلك.
وخدمة الناس والسعي في مصالحهم، فخادم القوم سيدهم، ومن فعل ذلك بتواضع عرف من أحوال الناس ومعيشتهم ما لا يمكن أن يعرفه غيره.
البيئة الكلية:
وهي البيئة المباشرة للمجتمع كله، ويجب على من يُسَوِّق لنفسه أن يستجيب لها ويتكيف معها، أما التأثير فيها، فلا يتم إلا بعد أن يصل الشخص إلى مرحلة من النفوذ والقوة، وهنا نتحدث عن البيئة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتربوية، والتقنية، والنفسية، والقانونية، والطبيعية، ومن المهم أن يعرف من يُسَوِّق لنفسه هذه الأبعاد، ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلمأصحابه إلى الحبشة قال لهم: ((إنَّ بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا، ومخرجًا مما أنتم فيه)).
ومن اشتغل في تسويق نفسه بدون وعي ببيئته المحيطة به، ربما جنى على نفسه، ولو بغير قصد، ولكي يكون الإنسان عالمًا ببيئته الكلية المحيطة به ينبغي عليه أن يراعي عدة أمور منها:
1- أن يحرص على تنويع مصادر معلوماته؛ حتى لا تسيطر عليه كثيرًا فئة محددة من المعلومات.
2- أن يحرص على أن يُخصص وقتًا من قراءاته وجهده للتعرف على الواقع؛ إذ (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) كما يقول الفقهاء، ولقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (إنَّما تنقض عرى الإسلام عروة عروة؛ إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية).
3- أن يستعين بأهل الخبرة والتخصص للقيام بدراسات ميدانية تدرس البيئة بطريقة علمية.
فإذا كانت البيئة واضحة، والمعرفة بها جيدة، ينتقل المسوق لوضع المزيج التسويقي المناسب لهذه البيئة والمتلائم معها.