ما الأثر المادي الذي ستتركه؟ الناس يحبون تحويل الأمور المُجردة إلى أشياء مادية ملموسة، بل يبنون صورتهم الذهنية بناءً على هذه الأمور المحسوسة، والأمور المجردة أقل تأثيرًا في كثير من الناس، والدليل المادي في تسويق الشخص نفسه نوعان:
آثار الشخص المادية التي يراها الناس، وكل إنتاج ملموس للشخص يدخل في هذا النوع؛ كالكتاب، أو البرنامج التلفزيوني، أو الفيلم، أو الألبوم، أو البحث، أو المشروع التجاري، أو الخيري، أو العلمي، أو الدعوي، أو غير ذلك، بل يدخل في ذلك حتى المشاريع والمنتجات، وينبغي لمن يسعى لأن يُسَوِّق نفسه أن يكون له إنتاج ملموس، يُحِسُّهُ الناس ويشاهدونه ويسمعون عنه، وربما تعرف شخصًا مُتمكِّنًا لم يعرفه الناس إلا بمُنتج معين، وهنا يمكن أن يُقال: (الأعمال أعلى صوتًا من الأقوال)، فالناس تحب أن ترى شيئًا ملموسًا يدل عليك، وعلى جوهرك، وقدراتك، ومنافعك لهم، فماذا أنت فاعل من أجل أن تسوق نفسك؟
ويمكن تقسيم الآثار المادية إلى نوعين:
أشياء مادية عامة: ومشاريع عامة، وعادة ما تستهدف الجماهير في تسويق الإنسان نفسه.
أشياء مادية خاصة: ومشاريع خاصة، وهي ما تستهدف فئة خاصة من فئات المجتمع بالتسويق، كمن يُسَوِّق نفسه في شركة، أو لدى فئة، أو حزب، أو طائفة.
الأشياء المادية في الشخص نفسه في جسمه ولبسه: وهذا جانب ملموس أيضًا، وهو شكلك وصوتك وريحك وملبسك، وهنا نتحدث عن قضايا قد تبدو شكلية وغير جوهرية، إلا أنَّي أنا وأنت -غالبًا- ما نُقَيِّم الناس كثيرًا بها، سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر، فكيف نلوم الناس إن هم فعلوا ذلك؟!
- ولذا اهتم الشرع بشكل الإنسان وهندامه؛ وذات مرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية؛ فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج، كأنَّه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، وفي رواية: قال: ((أما يجد هذا ما يُسَكِّنُ به شَعْره؟!))، ففعل الرجل، ثم رجع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنَّه شيطان))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ))، فمن أراد أن يُسَوِّق نفسه يجب أن يحرص على أفضل شكل مناسب له، وهنا نؤكد على عدة نقاط:
فكما أنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؛ فإنَّه يحرم المبالغة، والإسراف في اللباس والزينة، ولذلك حرم الإسلام على الرجال لبس الذهب والحرير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا الحرير؛ فإنَّ من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ)).
فالناس ربما فسرت بعض اللبس والحركات أنَّه غرور، أو إسراف.
فالكلفة ثقيلة على نفوس الناس، وهم حتمًا سيشعرون بها؛ ولذا يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ((نُهِينا عن التكلف))، وليس مناسبًا أي نوع من أنواع التكلف لا في الحديث، ولا في اللبس، ولا في الحركة، ولو بدا ذلك فنًّا أو احترافًا.
ولذا نهى الشارع عن لباس الشهرة، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا)).
ولذا يستحسن أن يلبس الإنسان مثل أهم فئة يريد أن يُسَوِّق فيها نفسه، وأن يكون شكله قريبًا منهم.
ويدخل في هذا القسم: سيارة الشخص، ومجلسه، ومدخل بيته، أو مكتبه، وكل ما يشاهد الناس، أو يسمعون، أو يشمون، مما له علاقة مباشرة بشخصه؛ كصوته في الرد على الهاتف، وطريقة التعامل به، وغير ذلك.