هناك عدة جوانب تتجاذب المشروع داخل صاحب المشروع، عادة ما يتم انتصار بعضها على بعض، أو قيام توازن بينها، منها:
أولاً: بين الدنيا والآخرة:
وهنا نتحدث عن القصد والإرادة، فهل مقصودي من هذا المشروع دنيوي أم أخروي؟ وهل يمكن الجمع بينهما؟ وكيف يتم ذلك إن أمكن؟ ومثل هذه التساؤلات.
ومن كرم الله علينا وفضله بدين الإسلام أنه لا نزاع بين الدنيا والآخرة!، إلا أن يكون النزاع في إرادة الإنسان وقصده، وإلا فمن الممكن أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه وهو يتعبد الله، كما أنه من الممكن أن يتعبد الله بطلبه للرزق الحلال وبسعيه في هذه الدنيا، قال الله تعالى في الحج - وهي من العبادات المحضة -: }لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ{ (البقرة: 198)، وقال صلى الله عليه وسلم عن قضاء الإنسان لشهوته وملذاته وإتيانه أهله: أرأيتم إن وضعها في حرام أعليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: "فكذلك إن وضعها في حلال فله أجر" (مسلم في صحيحه).
كما أن اجتماع الدنيا والآخرة في نفس صاحب المشروع تعينه حتى على أمور دنياه، فهي تجلب له توكلًا، وبالتالي شجاعة وسعادة أيًّا كانت نتائج المشروع.
أما إذا لم يكن الشخص مجاهدًا نفسه، معوِّدها على ابتغاء ما عند الله من عظيم الأجر يوم القيامة، فربما غلبت عليه إرادة الدنيا ونسي ما هو خير وأبقى، }بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. والآخرة خير وأبقى{ (الأعلى:16-17).
ثانيًا: بين الطموح والخوف، أو الشجاعة والجبن:
يتجاذب الإنسان عند الدخول في أي مشروع جاذبان متناقضان متعاكسان: جاذب من الطموح والرؤية المستقبلية المتفائلة، مع ما يجلب هذا من الشجاعة والاندفاع، وجاذب من الخوف من الفشل، والخوف من المستقبل، والخوف من العواقب، مع ما يجلب هذا من الجبن والإحجام.
ويبقى هذان الجانبان في الشخص من بداية فكرة المشروع حتى انتهائه، وربما زاد أحدهما وطغى في فترة ليعقبه زيادة الآخر وطغيانه، ففي فترة الشجاعة والاندفاع ربما دعاه ذلك للتهور والمغامرة، وفي فترة الجبن والإحجام ربما دعاه ذلك لترك المشروع وإغلاقه، أو عدم البدء فيه، أو عدم توسيعه أو تطويره.
هذا التردد بين الطموح والخوف ربما كان في منفعة المشروع، وربما كان من أسباب فشل المشروع!
ولتحويله لمكاسب للمشروع يجب أن تجتمع عدة أمور في صاحب المشروع، منها:
1- التوكل على الله: وهو جماع لكثير مما بعده، فبقدر اعتماد القلب على الله وتفويض الإنسان الأمور إليه، بقدر ما يجلب ذلك لصاحبه من الشجاعة والطمأنينة والتوازن، قال تعالى: }وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{(الطلاق: 3)، وقال صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطاناً" ( رواه أحمد).
2- الشجاعة المنضبطة: فما أكثر المشاريع التي فقدت وخسرت، بل وأغلقت وانتهت بجبن أصحابها أو تخوفاتهم، فالشجاعة جماع لكثير من أصناف الخير، كما أن الجبن جماع لكثير من أصناف السوء، ونحن نتحدث عن الشجاعة المنضبطة التي نتجت من توكل على الله وانقطاع القلب إليه وركونه إليه، ولذا يصاحبها بذل الوسع والغاية من الأسباب المادية والأساليب العملية.
3- البعد عن الجبن والخوف: الذي - في كثير من الأحيان- يعني الضعف في التوكل على الله والاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه، مما يعين الشيطان ليخوفنا، }الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء{(البقرة: 268)، ويعين أنفسنا علينا، }وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون{ (الحشر: 9)، ويجعل الإنسان مشلول الإرادة مسلوب العزيمة، لا يعمل إلا إذا توافر الأمان الكامل، وهو لم يتوافر يومًا ما، والحقيقة أنه لم يَسُدْ في هذه الدنيا جبان على مدى التاريخ!!.
ثالثًا: بين إرضاء النفس وإرضاء الناس:
يفتح صاحب المشروع مشروعه ليحقق له أهدافه الدعوية، أو الخيرية، أو التجارية التي تتوافق مع رؤيته لنفسه وللمشروع وللحياة وللناس من حوله، إلا أن الذي يحدث أن الضغوط تتوالى عليه من المحيطين به، سواءً كانوا شركاء أو عاملين أو مستفيدين، كل منهم يريد أن يحقق تطلعاته هو، وهنا يبدأ التجاذب عند صاحب المشروع بين تحقيق تطلعاته وتحقيق تطلعات الشركاء أو العاملين أو المستفيدين، هذا النزاع قد يدمر المشروع أو يحرفه عن مساره.
والأصل في المشاريع - إن كانت الفكرة جيدة، وأقيم المشروع بشكل جيد - أن تلبي احتياجات صاحب المشروع وتلبي احتياجات الآخرين، سواءً كانوا شركاء أو عاملين أو مستفيدين، وإذا وجد النزاع فهو من دلالات عدم تكامل الفكرة أو سوء تطبيقها، وعند ذلك يجب على صاحب المشروع أن يقوم بعملية تصحيحية للمشروع كله، تعتمد هذه العملية على عدة محاور:
وضع رؤية عامة للمشروع ورسم سياساته وإشهارها.
وضع محددات لثقافة المشروع المطلوبة،.
ووضع خطة متكاملة ليحقق المشروع احتياجات جميع الشرائح.
نشر ثقافة عامة عن المشروع ورؤيته وسياساته لدى كل من له علاقة بالمشروع.
رابعًا: بين المشروع والعاملين:
هناك نظريتان إداريتان تسمى إحداهما: نظرية ، والثانية: نظرية ، تفترض الأولى: أن العاملين كسالى يحتاجون لمن يراقبهم ويعاقبهم ويكافئهم ماديًّا حتى يعملوا، فهم لا يحبون العمل، وإنما هم مجبرون عليه.
وتفترض الثانية: أن الناس محافزون ومبدعون سيبذلون جهدًا طبيعيًّا كافيًا لتسيير العمل، ويتحملون مسؤولية العمل، وأن السيطرة والعقاب ليسا هما الأداتين الوحيدتين للإدارة والقيادة، وأن الحوافز المعنوية تعطي من النتائج ما لا تعطيه الحوافز المالية.
وكل واحدة من النظريتين لها فلسفتها التي تقوم عليها، ولذا لا يمكن تطبيقهما على الشخص نفسه، وغالبًا ما تطبق الأولى على عمال الإنتاج في المصانع والعمالة الكادحة ذات المستويات الفكرية والثقافية الأقل، وتطبق الثانية على الذين يكون عامل المعرفة لديهم أهم، ككثير من الفنيين والمديرين والقادة.
الإشكال أنه في كثير من المشاريع يوضع صاحب المشروع في زاوية بين إحدى زاويتين: إما أن يختار إرضاء العاملين لديه على حساب مشروعه، أو أن يختار تحسين مشروعه ولو لم يُرضِ العاملين لديه، وغالبًا ما يوضع صاحب المشروع بين هاتين الزاويتين لعدة أسباب:
1- غياب القائد الذي يستطيع أن يشكل رؤية، ويحفز الناس في السير باتجاهها، ويزيل العقبات التي تواجههم في طريقهم.
2- الخلط بين النظريتين اللتين ذكرتا سابقًا.
3- عدم وجود ثقافة واضحة للمشروع.
4- الضعف في اختيار الكوادر العاملة.
5- ضعف الأنظمة الإدارية التي تسير العمل.
6- ضعف برامج التأهيل والتطوير والتدريب.
مما يجعل المشروع لا يسير بروح الفريق، ويحول جميع العاملين للعمل معهم بنظرية أو تحمل خلل كبير في المشروع من أجل إرضاء العاملين.
خامسًا: بين المشروع وبين نفسي:
من مشكلات المشروعات الشائعة: الضبابية في تحديد الأهداف، مما يجعل صاحب المشروع في نزاع داخلي مع نفسه بين أن يكون الهدف إقامة المشروع بواسطتي!! أو إقامة نفسي بواسطة المشروع!!، فأيهما المقدم؟ وأيهما الأولى؟ وأيهما الأهم؟، فربما وجه المشروع لخدمته هو، وربما سخر نفسه لخدمة المشروع ونسي نفسه.
هذا النزاع لن يعتري الشخص إذا كان تحديد أهداف المشروع واضحًا وأولوياته مبينة، كما أنه نادرًا ما يوجد لدى الأشخاص ذوي الشخصية المستقرة والمطمئنة، لذا فمما يعين على تخفيف حدة هذا النزاع ما يلي:
1- تحديد أهداف المشروع وأولوياته والعلاقة بين الشخص والمشروع بوضوح.
2- بيان الدور الذي على صاحب المشروع القيام به في المشروع، وبيان الفوائد التي سيجنيها من ذلك.
3- جعل أي مشروع جزءًا من الرؤية العامة للشخص تخدم هذه الرؤية وتجليها، وجعل أي جهد يقدمه صاحب المشروع لا يتعارض مع رؤيته لنفسه.
4- التوازن في النظر للمشروع، والتوازن في نفسية صاحب المشروع.